التنمية المستدامة بالمغرب
- Hatim Ouajir
- 25 سبتمبر
- 3 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 26 سبتمبر
التنمية المستدامة تعني تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها، وتقوم على توازن بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. هذا البحث يقدّم عرضًا مفصّلاً لوضع المغرب في مجال التنمية المستدامة: السياسات الوطنية، التقدّم المحقق، القطاعات المحورية (الطاقة، الماء، الفلاحة، المدن)، التحديات، وتوصيات عملية قابلة للتطبيق.
المنهجية
اعتمدنا في هذا البحث على مراجعة وثائق وطنية ودولية وتقارير مؤسسات بحثية وإعلامية حديثة حول السياسات والاستثمارات والبيانات التقنية المتعلقة بالمغرب (استعراض وثائق الاستراتيجية الوطنية، تقارير متابعة أهداف التنمية المستدامة، تحليلات مشاريع الطاقات المتجددة)، مع الاستشهاد بالمصادر.
1. الإطار السياسي والاستراتيجي الوطني
أطلق المغرب إستراتيجية وطنية للتنمية المستدامة وإمكانية تنفيذها على المستوى الجهوي، مع محاولة إشراك المجتمع المدني والفاعلين الترابطيين في العملية. الوثائق الاستراتيجية الوطنية تؤكد رغبة في ترجمة الالتزامات الدولية إلى برامج تنفيذية محلية.
المغرب يشارك بانتظام في تقديم مراجعات وطنية طوعية (Voluntary National Reviews) لمتابعة تقدم أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، وتوجد أدوات مركزية لتنسيق السياسات بين القطاعات.
2. التقدّم العام ومواضع القوة
سياسياً، هناك التزام رسمي لتوطين أهداف التنمية في الخطط الجهوية وربطها بمؤشرات قابلة للقياس.
المجالات التي برز فيها المغرب: الطاقة المتجددة (مشاريع شمسية ورياحية كبيرة)، البنية التحتية للماء على مستوى السدود ومشاريع الري الحديثة، وبعض المبادرات في النقل الحضري المستدام وإدارة النفايات على مستوى المدن الكبرى.
3. قطاع الطاقة (حالة دراسية: مجمّع نور ورزازات)
مجمّع نور (Ouarzazate / Noor) يعد من أكبر المشاريع الشمسية في العالم، بطاقة إجمالية مخططة تقارب 580 ميغاواط عبر تقنيات مركزة (CSP) وفوتوفولطية. هذا المشروع يمثل رمزية الطموح المغربي في الانتقال الطاقي.
مع ذلك، واجهت بعض المكونات الفنية للمشروع مشكلات تشغيلية أدت إلى توقفات وصعوبات تقنية (من بينها حادثة تسريب المحلول الملحي في أحد الوحدات التي كلفت جهات منتجة مبالغ كبيرة وأدت لتعطّل لفترات). هذه الدروس التقنية أثّرت على تقييم جدوى بعض تقنيات الـCSP بالنسبة للخطط المستقبلية.
4. واقع القدرات المتجددة والإمكانات
المغرب حقق تقدّماً مهمّاً في قدرات الرياح والطاقة الشمسية؛ وفق مراجعات علمية وتقارير قطاعية هناك نمو في سعة الرياح ويُعد المغرب من بين الدول الرائدة في أفريقيا في هذا الميدان، لكن الأهداف (مثل نسبة 52% من القدرة من الطاقات المتجددة بحلول 2030) واجهت تأخيرات وصعوبات تنفيذية في بعض المشاريع.
5. قطاعات أخرى حاسمة للتنمية المستدامة
الماء وإدارة الموارد المائية
المغرب بلد شبه جافّ؛ إدارة الموارد المائية (سدود، ترشيد استهلاك، تعبئة المياه الجوفية) تعتبر عنصراً أساسياً لاستدامة الفلاحة وتلبية الاحتياجات الحضرية. تتطلب الاستراتيجية تكامل السياسات بين الفلاحة والطاقة والبيئة.
الفلاحة والأمن الغذائي
تحديث منظومات الري، الانتقال إلى ممارسات مستدامة (الزراعة الحافظة، الاستخدام الدقيق للمبيدات والأسمدة)، ودعم صغار الفلاحين ضروريان لتقليل الفوارق وتعزيز صمود السلاسل الغذائية أمام التغير المناخي.
المدن وإدارة النفايات
التمدّن السريع يفرض إعداد بنية تحتية حضرية مستدامة: نقل عام نظيف، تدبير نفايات متقدم، تشييد طاقي فعّال. هناك مشاريع نموذجية في بعض الجهات لكن الانتشار الوطني لا يزال يحتاج تسريع.
6. التحديات الأساسية
طالتحديات التقنية والمالية: بعض التقنيات (مثل CSP في حالات محددة) أظهرت مشكلات تشغيلية وتكاليف تصليح عالية؛ ما يجعل من الضروري الانتقاء التقني الدقيق ومزج حلول PV مع تخزين البطاريات حيث تكون أكثر ملاءمة.
التنسيق القطاعي والجهوي: تنفيذ الاستراتيجيات يتطلّب حوكمة فعّالة بين الوزارات والجهات المحلية وإشراك الفاعلين المدنيين والقطاع الخاص.
التمويل: حاجات استثمارات كبيرة لتوسيع الشبكات الذكية، التخزين الطاقي، تحديث الري والبنية التحتية الحضرية.
التكيّف مع المناخ: قلة المياه وزيادة تواتر ظواهر الجفاف يتطلبان سياسات قوية للتكيّف.
7. توصيات عملية (قابلة للتطبيق على المدى القصير والمتوسط)
مراجعة المزيج التكنولوجي الطاقي: النظر بإمعان في اختيار التكنولوجيا حسب الجدوى المحلية؛ التأكيد على الفوتوفولطيك + بطاريات في المواقع التي تثبت فعالية أعلى من الـCSP مع اعتماد تقييمات بيئية وتقنية دقيقة قبل إطلاق مشاريع جديدة.
تعزيز الحوكمة اللامركزية: تمكين الجهات الجهوية بموارد وإمكانات فنية لتمكين توطين أهداف التنمية في خطط تنموية قابلة للقياس.
برامج تمويل مبتكرة: تشجيع الشراكات العامة-الخاصة، صكوك خضراء، وصناديق استثمارية للطاقات المتجددة والبنية التحتية للماء.
دعم صغار الفلاحين وتجهيزات الري الذكي: توفير برامج تدريب وتمويل لانتقال نحو ممارسات أكثر استدامة.
التركيز على المرونة المناخية: تطوير مخطات وطنية للتماشي مع سيناريوهات الجفاف وتفعيل أنظمة إنذار مبكر وحماية سلاسل الإمداد الغذائي.
8. منظور طويل الأمد وسياسات مستقبلية
المغرب أعلن أهدافًا طموحة على مستوى المناخ والطاقة (بما في ذلك هدف الحياد الكربوني المتدرج وصولًا إلى 2050 وفق التزامات وطنية تم تقديمها على منصات المناخ الدولية)، مما يفتح الباب لإصلاحات هيكلية في سياسات الطاقة والنقل والاقتصاد الأخضر. لتحقيق ذلك يلزم دمج السياسات الضريبية، الدعم المستهدف للتكنولوجيا النظيفة، وبناء قدرات بحثية وطنية.
الخلاصة
المغرب قطع خطوات مهمة نحو التنمية المستدامة بفضل رؤية استراتيجية ومشاريع كبرى (مثل مجمّع نور)، ولكنه يواجه تحديات تقنية وتمويلية وتنفيذية تتطلب ضبط المزيج التكنولوجي، تقوية الحوكمة الجهوية، وتعبئة مصادر تمويلية مبتكرة. التحوّل نحو اقتصاد منخفض الكربون ومجتمعات مرنة مناخيًا ممكن، لكنه يحتاج إلى إجراءات عملية قصيرة المدى تتكامل مع رؤية طويلة المدى لحماية الموارد وتحقيق العدالة الاجتماعية.





تعليقات